هل تأكل بفعل الإكتئاب.. الإنفعال أو الضجر؟
صحيح أن تناول الطعام يخفف من وطأة إنفعالاتنا السلبية، لكن هذه النعمة لا تدوم.. ففي غضون ساعتين تقريباً، ينطلق الجسم من جديد مطالباً بجرعة ثانية من الطعام، وخاصة السكر. كيف السبيل إلى الخروج من دوامة الأكل لأسباب غير الجوع؟
يختلف تأثير التعرُّض إلى كم كبير من ضغوط وتوترات حياتنا العملية، أو العائلية، أو الإجتماعية، بإختلاف الأشخاص. فهناك مَن يدفعه هذا التوتر إلى الإنكباب على تناول الطعام، وهناك مَن يجد نفسه غير قادر على إبتلاع ولو لقمة واحدة. وتعلق الأخصائية البلجيكية في التغذية وعلم النفس الدكتورة فيرونيكا فان دير سبيك، فتقول إنّه ليست هناك تفسيرات لهذه الظاهرة، لكننا نلاحظ أنّ الأشخاص الذين ينتبهون كثيراً إلى قوامهم يميلون إلى "الإنفلات" في حالات التعرض للضغوط، بينما يكبح التوتر شهية الأشخاص الذين يأكلون عادة بشكل طبيعي.
- الأكل لمكافحة القلق:
يقول الطبيب النفسي البريطاني الدكتور روجر جولد، الأخصائي في إضطرابات السلوك الغذائي، إنّ الأشخاص الذين يأكلون في فترات التوتر يفعلون ذلك بفعل جوع مصدره إنفعالي. ويكون الهدف من الأكل عند ذلك هو بلوغ الإرتياح. ولكن بأي أوالية؟ تجيب سبيك فتقول إنّه خلال فترات التعرض للضغط النفسي، لا يمكن إلا للناقل العصبي السيروتونين أن يحمل لنا الهدوء والسكينة. ولإنتاج هذا الناقل العصبي، يحتاج الدماغ إلى حامض أميني، هو التريبتوفان. والمعروف أن تناول الأطعمة الحلوة، مثل الشوكولاتة والمربى، يؤدي إلى إفراز الأنسولين الذي يحفز عملية وصول التريبتوفان إلى الدماغ، ما يساعد بالتالي على إفراز السيروتونين. وينتاب الجسم حينها إحساس عام بالإرتياح يطغى على الغضب، القلق والعصبية. لكن، للأسف، لا يدوم هذا الإحساس بالإرتياح أكثر من ساعتين. ويعلق جولد قائلاً إنّه ما إن يتلاشى مفعول "المسكن" حتى تعود الإنفعالات السلبية لتظهر من جديد، ويعود الجسم ليطالب بجرعة من السكر ليخفف عن نفسه. وندخل عند ذلك في حلقة مفرغة يصعب الخروج منها.
- التوتر يعزز عملية تخزين الدهون:
أظهرت الدراسات أنّ الأنسولين الذي يفرزه الجسم بغرض نقل السكر الذي نأكله إلى الخلايا لإستخدامه كوقود، والكورتيزول الذي تفرزه الغدد الكظرية عند إحساسنا بالتوتر، هورمونان يفاقمان عملية تخزين الدهون في الجسم. وتقول سبيك إنّه عندما يتلقى الجسم كمية من السكر تفوق تلك التي يحتاج إليها ليقوم بوظائفه، فإنّه يفرز المزيد من الأنسولين للتخلص منها. ويعمل هذا الهورمون على تحويل السكريات إلى دهون ويخزنها في الخلايا الدهنية. ويتركز مكان التخزين الأساسي في منطقة البطن، الفخذين والمؤخرة. أمّا الكورتيزول، فهو يفاقم عملية تخزين الدهون في منطقة البطن. وكانت دراسة أميركية أشرفت عليها الدكتورة إليزا أبيل في جامعة كاليفورنيا، قد أكدت أنّ النساء اللواتي يعانين أكبر قدر من الدهون المتراكمة في منطقة الخصر، هنّ الأكثر تحسّساً تجاه التوترات، وأن أجسامهنّ تفرز نسبة من الكورتيزول تفوق تلك التي تفرزها أجسام الأخريات الأشد تماسكاً في وجه التوترات والضغوط.
لكن هذا لا يعني أن كل مَن يتعرّض للضغوط والتوترات محكوم عليه بالسمنة، فلحسن الحظ، هناك طرق وحلول تساعد على التخلص من الكيلوغرامات الزائدة الناتجة عن الإنفعالات والضغط النفسي. ونستعرض في ما يلي أبرز الحالات المؤدية إلى زيادة الوزن، ووصفاً للبرنامج الغذائي المناسب في كل منها.
1- الوزن الزائد الناتج عن الأكل بفعل الإكتئاب:
غالباً ما يلجأ الفرد في هذه الحالة إلى تناول الطعام لسد فراغ يشعر به في حياته الإجتماعية، العائلية أو العملية. ولا يأكل هذا الفرد، الذي يعاني هبوطاً متكرراً في المعنويات، كمية كبيرة من الطعام في الوجبات، لكنّه يأكل كثيراً بينها، وخاصة في المساء.
ويهدف البرنامج الغذائي هنا إلى مساعدة الفرد على إستعادة استمتاعه في تناول الطعام بشكل سليم وصحي، ويتم فيه التركيز على الأطعمة التي تحسن المزاج.
- الحرص على تناول 3 وجبات في النهار: يقول الأخصائي الفرنسي في التغذية الدكتور جان ميشال كوهين: إننا إذا أردنا أن نتجنب الإنكباب على ألواح الشوكولاتة، علينا أن نتناول 3 وجبات يومية في أوقات محددة. ويجب أن تحتوي على بروتينات (لحم، بيض، أو سمك) وعلى حصة من النشويات، وحصة من الخضار، وحصة من مشتقات الحليب، وثمرة فاكهة.
- ضرورة تناول حصتين على الأقل من البروتينات يومياً: البروتينات مهمة جدّاً، خاصة تلك الموجودة في اللحوم خفيفة الدهون، والأسماك والبيض، فهي مصدر للتريبتوفان، وفيتامين B12 الضروريين للحفاظ على معنويات عالية، ومزاج جيِّد.
- تفضيل الحبوب الكاملة: هذه الحبوب غنية بالألياف الغذائية والكربوهيدرات بطيئة الهضم، وتساعد على الإحساس بالشبع لوقت طويل. ويتوجب تناول البقوليات (العدس، الحمص، الفول...) بمعدل مرّتين أو 3 مرّات في الأسبوع، نظراً إلى غناها بالماغنيزيوم الذي يكافح التوتر، وبالحديد الذي يقاوم التعب. ومن الضروري تناول ثمرة فاكهة غنية بفيتامين C مثل البرتقال، الكيوي، أو خضار غنية بهذا الفيتامين، مثل الفلفل والبروكولي في الوجبة نفسها، لأن هذا الفيتامين يعزز عملية إمتصاص الجسم للحديد.
* الأطعمة السبعة المقاومة للتوتر
يتوجب أن تحتوي الوجبات اليومية على هذه الأطعمة التي تساعد على الحفاظ على السكينة والهدوء، وهي:
- الأسماك الدهنية: هذه الأسماك، وعلى رأسها السالمون والسردين، غنية جدّاً بأحماض أوميغا/3 الدهنية التي تحسن المواج. يتوجب تناولها مرّتين أو 3 مرّات في الأسبوع.
- الموز: هذه الفاكهة غنية جدّاً بالماغنيزيوم (50 ملغ في الموزة). والماغنيزيوم يساعد على الحفاظ على التوازن العصبي والعضلي.
- المكسرات: هذه الأطعمة هي الأغنى بالماغنيزيوم. فكل مئة غرام من اللوز البرازيلي تحتوي على 366 ملغ من الماغنيزيوم، أما كمية مماثلة من اللوز فتحتوي على 232 ملغ، ومثلها من البندق تحتوي على 122 ملغ. ويذكر أن حاجة الجسم اليومية من الماغنيزيوم هي 350 ملغ.
- البقوليات: الحمص، الفاصولياء، العدس... غنية أيضاً بالماغنيزيوم وفيتامين B.
- الحبوب الكاملة: تعتبر مصدراً مهماً أيضاً للماغنيزيوم الذي يستنزف بفعل التوتر.
- مشتقات الحليب: تشكل مصدراً للتريبتوفان، الحامض الأميني الذي يسهم في إفراز السيروتونين الذي يحسن المزاج.
- المياه المعدنية الغنية بالماغنيزيوم.
* نماذج عن وجبات يومين من النظام الغذائي الخاص
اليوم الأوّل:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 30 غراماً من خبز الحبوب الكاملة، 10 غرامات من الزيندة، عصير برتقالة واحدة، علبة صغيرة من اللبن بالفواكه خالٍ من الدسم.
- الغداء: سلطة خضراء من الخل وملعقة صغيرة من زيت الكولزا، 125 غراماً من سمك السالمون المحضر في الفرن مع 200 غرام من الجزر المهروس مع الكمون، طبق صغير من الأرز بالحليب الخالي من الدسم مع 30 غراماً من الزينيب.
- العشاء: سلطة طماطم، 100 غرام من شرائح لحم الديك الرومي، 200 غرام من الكوسة المقلب على النار مع ملعقة صغيرة من زيت الزيتون، 30 غراماً من الجبن، 15 غراماً من الخبز.
اليوم الثاني:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 30 غراماً من خبز القمح الكامل، 10 غرامات من الزيندة، 100 غرام من الجبن الأبيض المائع الخالي من الدسم.
- الغداء: سلطة جرجير مع 10 غرامات من البندق و20 غراماً من الجبن، 150 غراماً من السمك المشوي، 125 غراماً من البطاطا المشوية، 100 غرام من الفواكه المخبوزة من دون سكر.
- العشاء: 150 غراماً من السلطة الخضراء، 150 غراماً من الدجاج بالكاري، ثمرتا طماطم مشويتان مع البقدونس، علبة صغيرة من اللبن الخالي من الدسم، 15 غراماً من الخبز، إجاصة.
2- الوزن الزائد الناتج عن الأكل بفعل كثرة الضغوط:
يأكل الفرد في هذه الحالة كلما تعرض لضغوط وتوترات بحثاً عن الإرتياح. وهو يقضم الطعام على إمتداد ساعات النهار، ويأكل أي طعام يجده في متناول يده. ويشكل مضغ الطعام بالنسبة إليه مصدرا للراحة.
ويهدف البرنامج الغذائي هنا إلى تأمين ما يكفي من عناصر مغذية لتهدئة الحالة النفسية، وتفادي قضم الطعام.
- الحرص على تناول 3 وجبات رئيسية صغيرة ووجبتين خفيفتين في اليوم: يجب أن يتالف نصف الطبق من خضار مطبوخة، وربعه من النشويات، وربعه من البروتينات. ثمّ تؤكل بعده حصة من مشتقات الحليب منزوعة الدسم. وفي فترتي قبل الظهر وبعده يتم تناول شراب ساخن مع حصة من مشتقات الحليب أو ثمرة فاكهة.
- تفضيل الحبوب الكاملة، الفواكه، الخضار الغنية بالألياف الغذائية التي تخفف من حدة الجوع، إضافة إلى البروتينات، مثل: البيض، اللحم، الأسماك، التوفو، التي تساعد على الإحساس بالشبع لوقت طويل.
- تفادي تناول رقائق الحبوب المحلاة بالسكر في وجبة الإفطار، والخبز الأبيض، والحلويات والسكاكر. ويقول كوهين إنّ هذه الأطعمة مصدر للسكريات سريعة الهضم، ويؤدي تناولها إلى إرتفاع سريع وكبير في مستويات سكر الدم، لا يلبث أن يتبعه إنخفاض مماثل يدفعنا مجدداً إلى تناول السكر. والأفضل تناول مشتقات الحليب منزوعة الدسم، الخضار النيئة، الفواكه المخبوزة من دون سكر.
* نماذج عن وجبات يومين من النظام الغذائي الخاص
اليوم الأوّل:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 60 غراماً من خبز القمح الكامل، 10 غرامات من الزيندة، 150 ملل من الحليب خفيف الدسم.
- وجبة خفيفة: برتقالة.
- الغداء: 100 غرام من سلطة الشمندر مع الخل وملعقة صغيرة من زيت الكولزا، 90 غراماً من كبدة العجل المشوية، 150 غراماً من الفاصولياء البيضاء المطبوخة مع 200 غرام من الطماطم والبصل، علبة صغيرة من اللبن، شريحتان من الأناناس.
- العشاء: 150 غراماً من سلطة الخيار، بيضتان مخفوقتان، ثمرتا ماندرين.
اليوم الثاني:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 30 غراماً من خبز القمح الكامل، 10 غرامات من الزيندة، 100 غرام من الجبن الأبيض المائع خفيف الدسم.
- وجبة خفيفة: قطعتا بسكويت.
- الغداء: 150 غراماً من سلطة الفلفل مع الخل والزيت، 150 غراماً من لحم الديك الرومي، 200 غرام من الجزر المحضر على البخار، 40 غراماً من جبن الماعز، 30 غراماً من خبز القمح الكامل.
- وجبة خفيفة: نصف ثمرة جريب فروت، علبة صغيرة من اللبن خفيف الدسم.
- العشاء: 140 غراماً من سلطة الخرشوف، شريحة من السمك المشوي، 200 غرام من الخضار المحضرة على البخار، نصف ثمرة مانغو.
3- الوزن الزائد الناتج عن الأكل بفعل سرعة وشدة التأثر بالخارج وبآراء الآخرين:
كلما شعر الفرد هنا بالقلق، أو بالشك، وسمع تعليقات سلبية، يسارع إلى التهام الجاتوه والبسكويت في محاولة لإستعادة الثقة بنفسه. فالطعام بالنسبة إليه هو مصدر دعم معنوي حقيقي. والفرد هنا ينكب على الطعام عند مواجهة أي أمر منغص، وهو غالباً ما يخشى ألا يكون على المستوى المطلوب. وتناول الطعام يجلب له دوماً إحساساً فورياً بالسعادة.
ويهدف البرنامج الغذائي هنا إلى إعادة التوازن على مستوى التغذية اليومية مع إضافة بعض اللمسات التي من شأنها إدخال الإستمتاع بالطعام إلى العادات الغذائية.
- إدخال الحبوب الكاملة إلى وجبة الغداء يومياً، بحيث يتم التنويع بين منتجات الحبوب الكاملة (خبز ومعكرونة) الغنية بالفيتامينات وبالمعادن وبالألياف القابلة للذوبان التي تتمتع بقدرة عالية على الإشباع، وبين الحبوب الأخرى (أرز باسمتي، كينوا) التي تتمتع بسهولة الهضم. ويقول الدكتور كوهين إنّ المقصود من هذا التنويع هو التوازن وتفادي نفخة البطن التي قد يسببها التوتر، وضمان كمية مناسبة من الكربوهيدرات بطيئة الهضم التي تساعد على الإحساس بالشبع.
- إضافة بروتينات خفيفة الدهون إلى كل وجبة: البروتينات تضمن الحفاظ على النسيج العضلي وتمنح درجة عالية من الشبع. والأفضل تناول لحم العجل خفيف الدهون ولحوم الدواجن من دون جلد، والأسماك، ولحوم البق خفيفة الدهون.
- تخصيص وجبة خفيفة لفترة بعد الظهر: يمكن أن تتألف هذه الوجبة من حصة من مشتقات الحليب منزوع الدسم مع ثمرة فاكهة. ومرّتين أو ثلاث مرّات في الأسبوع يمكن أن تتألف هذه الوجبة من طعام مفضل، مثل الشوكولاتة أو البسكويت.
* نماذج عن وجبات يومين من النظام الغذائي الخاص
اليوم الأوّل:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 45 غراماً خبز القمح الكامل، 10 غرامات من الزيندة، علبة صغيرة من اللبن الخالي من الدسم.
- الغداء: 125 غراماً من لحم العجل المشوي، 200 غرام من المعكرونة المحضرة من القمح الكامل مع 20 غراماً من جبن البارميزان، 200 غرام من السبانخ، ثمرة كيوي.
- وجبة خفيفة: كوب من الماء، علبة صغيرة من اللبن الخالي من الدسم، حفنة من ثمار العليق.
- العشاء: 100 غرام من سلطة الشمندر مع الخل والزيت 125 غراماً من سمك السالمون المحضر في الفرن، 200 غرام من الخضار المتنوعة المطبوخة على البخار، إجاصة.
اليوم الثاني:
- الإفطار: قهوة أو شاي، 30 غراماً من خبز القمح الكامل، 10 غرامات من الزيندة، علبة صغيرة من اللبن الخالي من الدسم، ملعقة صغيرة من مربى الفاكهة.
- الغداء: 150 غراماً من السمك المحضر في الفرن مع 200 غراماً من الكوسة، 150 غراماً من الكراث، حبتان صغيرتان من البطاطا المشوية، إجاصة.
- وجبة خفيفة: مشروب ساخن، ثمرة فاكهة مخبوزة في الفرن.
- العشاء: 100 غرام من سلطة الجرجير مع 20 غراماً من جبن البارميزان، 100 غرام من لحم الديك الرومي، 200 غرام من الخضار المحضرة على البخار، 15 غراماً من خبز الحبوب الكاملة.