المسلم المؤمن ظاهره كباطنه نور
إذا كان رب العالمين اجتبانا، ورفع عنا الحرج، وأمرنا بأن نتحلى باللين واليسر، ونهانا بأن نتجنب الفظاظة والغلظة، وحذرنا من كتم الحق، وبرأ الإسلام من التعصب والانغلاق، وخص أمة الإسلام بفضائل، منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، فقد قال الله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" "آل عمران آية 110" وفحوى الآية التي نزلت في حق مجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها تأكيد أنكم أيها المسلمون خير أمم الأرض، بشيء واحد، وهو أنكم تأمرون بالمعروف المنقذ للأمم، وتنهون عن المنكر المدمر للشعوب، وتؤمنون بالله إيمانا صادقا كاملا لا ينقص منه شيء.
إضافة إلى هذه الخصال الحميدة، فإن المسلمين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله جيمعا بدليل قول رب العزة "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" "البقرة آية 285" لأن كل الرسل والأنبياء مسلمون كما نص القرآن الكريم على ذلك.
فقد أمر الله خاتم رسله أن يقول "قل آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" "آل عمران آية 84" ولزيادة التوضيح أكد الله تعالى إسلام إبراهيم بقوله "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" "آل عمران آية 67"...
وحصر تعالى اصطفاءه لبني آدم في قوله "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين" "آل عمران آية 33" لكن من هو المسلم الحقيقي؟ لقد بسط لنا علي بن أبي طالب كرمه الله وجه الطريقة التي نفهم بها ذلك فقال:
"رأيت العقل عقلين
فمطبوع ومسـموع
ولا ينفع مسـموع
إذا لم يك مطـبوع
كما لا تنفع الشمس
وضوء العي ممنوع"
ولهذا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ابن آدم أطع ربك تسمى عاقلا، ولا تعصه فتسمى جاهلا" روي عن أبي هريرة وأبي سعيد. ففي الحديث تمييز بين العاقل والجاهل؛ "العاقل يعتمد على عمله والجاهل يعتمد على أمله" وكما قال يعقوب الكندي "العاقل من يظن أن فوق علمه علما فهو أبدا يتواضع لتلك الزيادة، والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس لذلك".
لهذا أقول إن المسلم المؤمن ظاهره كباطنه، نور على نور، قلبه مطمئن بالإيمان، يقول الحق. ومن هنا قال أحد الحكماء "عدو عاقل أحب إلي من صديق جاهل" وقيل "العاقل من عقل لسانه، والجاهل من جهل قدره" وقال عمر بن الخطاب "أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه".
وعلى هذا الأساس عرف النبي صلى الله عليه وسلم المسلم الحقيقي بأنه "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه مسلم عن جابر وهو حديث صحيح، قال الأزهري "فمعناه أنه دخل في باب السلامة حتى يسلم المؤمنون من بوائقه" وزاد الحديث التالي مزيد توضيح "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري عن ابن عمر. وأضاف في حديث صحيح رواه الترمذي عن أبي هريرة "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه، التقوى ههنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" إذا لا يسلمه إلى عدوه ولا يترك نصرته.
ومن هو المسلم المؤمن؟ لقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس"، حديث صحيح رواه الدارقطني عن جابر. وأضاف "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" "رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر. ومن مميزات المؤمن المخلص الاهتداء بهدي الله تعالى بأمره في أسلوب المعاملة حتى مع العدو "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" "فصلت آية 34" مضيفا "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" "المائدة آية 13" إضافة إلى الأمر بالعفو والصفح أمر تعالى بالاستغفار "فاعف عنهم واستغفر لهم" "آل عمران آية 159".
ومن هذا المنطلق تبعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" رواه أبو داود عن جبير بن مطعم. فالمؤمن والمسلم الحقيقي براء من كل عصبية.
وتبعا لقوله عليه الصلاة والسلام "ليس منا من انتهب، أو سلب، أو أشار بالسلب" رواه الطبراني والحاكم عن ابن عباس؛ فالمسلم المؤمن براء ممن يأخذ مال الغير قهرا جهرا. والمقصود من الحديثين الزجر لا الإخراج من الدين، قال الثوري "ولا ينبغي إيراد هذا التأويل للعامة بل يمسك عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أورده بقصد التنفير ومزيد الزجر وبالتصريح بتأويله يفوت المعنى المقصود.
وفي نفس التوجه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام "ليس منا من غش" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة. كذلك "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" رواه الترمذي عن أنس وهو صحيح، وفي حديث أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت وهو حديث حسن "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه".
مما تقدم ديننا الإسلامي الحنيف الذي اصطفانا به رب العالمين، إما أن نحافظ على قيمه السمحة النيرة بلا إفراط ولا تفريط لنعيش مرفوعي الرأس سعداء، وإما أن ننحرف فنكون من الخاسرين، ومن أوجه الانحراف أن يكون المنحرفون من الذين "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" "آل عمران آية 167".
منقول للامانه
موضوع: ~0~ المسلم المؤمن ظاهره كباطنه نور ~0~ 
الخميس 16 أبريل 2009 - 7:49
