دبي - العربية.نت
يتعرض أعضاء مجالس الصحوة -الذين تحولوا من التمرد إلى المساعدة في عودة الهدوء إلى العراق- للحصار من جميع الجهات. فقد قتل قبل يومين 13 عضوا من المجالس في تفجير انتحاري لدى تجمعهم لتلقي رواتبهم جنوب بغداد، في أحدث هجوم انتحاري من بين سلسلة التفجيرات التي استهدفت أفراد الصحوة في الأسابيع الأخيرة. وقد أبدى بعض السنة قلقهم من استهداف الحكومة التي يقودها الشيعة لقادة الصحوة عبر الاعتقالات، في الوقت الذي بدأ فيه الجيش الأمريكي الداعم الرئيس لهذه المجالس بالابتعاد عنها تدريجيا، حسب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية الاثنين 13-4-2009 للصحفية إليسا روبن من خدمة "نيويورك تايمز".
وكانت أبرز القضايا التي تحدثت عن الصحوة هي قضية الشيخ ماهر سرحان عباس، الذي اعتقلته الحكومة منذ 27 يوما، وذلك بحسب ما ذكرته عائلته وأصدقاؤه من قادة الصحوة. وجاء اعتقال الشيخ سرحان بصورة سرية، ثم برز إلى النور عندما اتصلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن طريق المصادفة بشخص قال إنه رآه في السجن. وكانت تلك واحدة من بين القضايا العديدة التي تم رصدها في الأسابيع الأخيرة، والتي أقلقت أعضاء مجالس الصحوة، وبعض الدبلوماسيين والقادة العسكريين الأمريكيين. وقد كان القادة السنة موضع استهداف الميليشيات الأصولية والشيعية، كما طالت الاعتقالات بعض أعضاء قادة الصحوة خلال الأسابيع الأخيرة. ويتهم بعض قادة المجالس الحكومة بمحاولة التخلص منهم، أو التحرك بسرعة لتوجيه اتهامات لهم.
وكانت التوترات بين مجموعات الصحوة السنية والحكومة التي تقودها الأغلبية الشيعية بزعامة نوري المالكي موجودة منذ البداية. فقد رفضت المحاولات الأمريكية، بنقل رواتب القوات الأمنية التابعة للصحوة من قائمة الرواتب الأمريكية إلى قوائم رواتب القوات العراقية الأمنية، من قبل القادة في بغداد، الذين قالوا إن العديد منهم لا يزالون نشطين في دعم المتمردين المناوئين للحكومة.
غير أن الشيخ ماهر كان رمزا محليا محبوبا لحركة الصحوة التي بدأت منذ عامين، عندما بدأ المسؤولون الأمريكيون في التودد إلى زعماء القبائل السنية، عارضين عليهم المال إذا ما تحولوا إلى محاربة قوات التمرد. وكان الشيخ وأنصاره من السنة أيضا موضع ثقة جيرانه من الشيعة الذين أخذوهم إلى منازلهم، في الوقت الذي كانت فيه جماعة "القاعدة" لا تزال نشطة. ويقول الجنود الأمريكيون في القاعدة الأمريكية القريبة، إنهم يعتبرونه رجلا موثوقا فيه، ولا يزالون ينظرون إليه كذلك.
غير أنه في الخامس عشر من مارس/آذار الماضي، قدم رجال مسلحون إلى منزله في هور رجب، تلك القرية الصغيرة التي تقع على الأطراف الجنوبية لبغداد، واندفع الرجال المدججون بالسلاح إلى غرفة نومه، حيث كان الشيخ ماهر وزوجته يشاهدان التلفزيون، وابنته الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات إلى جانب فراشه. وقالت شهيدة رشيد –زوجته- التي تبلغ من العمر 23 عاما، وهي تضع ابنتها في مهدها: "لقد اعتقدت أن القاعدة أتت لكي تنتقم منه".
وقد علمت "نيويورك تايمز" باعتقال الشيخ ماهر من زعيم آخر من زعماء الصحوة هو الشيخ رائد علي الذي اعتقلته الحكومة العراقية على خلفية اتهامات بالإرهاب، لكنها أطلقت سراحه بعد ضغوط من القوات الأمريكية.
وعندما سئل محمد سلمان السعدي الذي يقود القوات الحكومية التي تتعامل مع الصحوة عن اعتقال زميله ماهر، قال، إنه لا يعلم شيئا عن القضية. لكنه قال: "إن عناصر الصحوة يلقون عفوا عن كل ما اقترفوه ما عدا القتل. والسؤال الذي كان ينبغي طرحه هو: لماذا تم اعتقال هذا الشخص؟" كان الشيخ ماهر مطلوبا لدى جماعة المتمردين السنة، حيث قضى فترة العامين ونصف العام الماضية يقاتل ضدها. وقال قائد الوحدة الأمريكية المحلية، إن القوات التي ألقت القبض عليه ربما تكون من وحدة العمليات الخاصة التي لم تعلم القوات المحلية بعمليتها. وقال الكابتن كيب كوالسكي، الضابط الأمريكي المسؤول في نقطة حور جاب الأمنية المشتركة القريبة من منزل الشيخ: "لقد صدمنا جميعا عندما علمنا باعتقاله".
وقدّمت الوحدة التي يقودها كوالسكي الاعتذار لأفراد أسرته، لكنه قال إنهم غير قادرين على تقديم العون، كما منعت وحدات الجيش العراقي مناصري الشيخ من القيام بمظاهرات سلمية للمطالبة بإطلاق سراحه. وأضاف كوالسكي: "لقد كان قائد مجلس الصحوة المحلي هنا، ولم يكن لنا أي مأخذ عليه، لكننا لن نستطيع تقديم المساعدة في إطلاق سراحه، لأنها عملية اعتقال قامت بها الحكومة العراقية".
ويعرب العديد من قادة الصحوة والمسؤولين الأمريكيين العاملين معهم عن اعتقادهم بأن إلقاء القبض على أشخاص مثل الشيخ ماهر إنما هو نتيجة الاستراتيجية الجديدة التي ينتهجها المتطرفون السنة لإبعاد خصومهم عن الساحة. وأوضح أحد أفراد "القاعدة" السابقين في منطقة بين الرافدين قائلا: "تنقل معلومات سرية إلى الحكومة بأن قائد الصحوة ذاته من القاعدة، ويجب اعتقاله من أجل جرائمه السابقة. وبمقتضى القانون العراقي فإن وجود شاهدين يمنح الحكومة صلاحية إصدار أمر توقيف، واعتقال المشتبه بهم، ومن ثم التحقيق معهم".
والطريقة الثانية تأتي من أفراد عائلات "القاعدة" الذين فقدوا بعض أقاربهم خلال موجات العنف، ويرغبون في مقاضاة أفراد الصحوة الذين غالبا ما يكونون مسؤولين عن مقتل أفراد القاعدة خلال العامين الماضيين، وأشار الكابتن كوالسكي إلى أن وحدته تلقت العديد من هذه القضايا المشابهة.
وقال علي واصفا ظروف اعتقاله التي امتدت لأسبوع: "يمكن لمدة الاعتقال أن تمتد شهورا في بعض الأحيان، ولا يتمتع المعتقلون على خلفية الاتهامات بقضايا الإرهاب بحق الزيارة، أو الحصول على محام، أو حتى رؤية الشمس".
وأضاف الملازم أول جوبي سيمر من الكتيبة الأولى، 505 المشاة المظلية، والذي عمل مع الشيخ ماهر عن قرب في هور رجب: "هناك العديد من الأفراد الجيدين هنا، والذين أعلم أنهم قتلوا بعض الأشخاص، لكنهم كانوا يدافعون عن أرضهم، وكانوا يساعدوننا، وهذا أمر جيد". وقد دأب مسؤولو الحكومة الشيعية على الشك في ولاء أبناء العراق من "الصحوة"، وكانوا قلقين من أن يصبحوا لب التمرد المسلح في المستقبل. لكن قادة الصحوة من جانبهم أكدوا على أن الحكومة قد تسارع إلى قبول الاتهامات الموجهة ضدهم. وقال علي، قائد قوات الصحوة في الغزالية، والذي رأى الشيخ ماهر في الاعتقال: "يجب عليهم أن يقوموا ببحث لمدة ثلاثة أشهر قبل اعتقال الأفراد". وأضاف: "هذا ما يحاول الإرهابيون القيام به للعودة، وتلك هي إحدى خططهم للتخلص منا، ومن ثم يمكنهم العودة مرة أخرى".
وأبدى أحد كبار المسؤولين الأمريكيين في العراق تشككه من دوافع عملية الاعتقال، وتساءل -رافضا ذكر اسمه لأنه غير مسموح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام-: "لماذا تقوم الحكومة العراقية بذلك؟". وأضاف: "في كل مرة كنا نقول فيها للحكومة "يجب عليكم أن تطلقوا سراح هذا الرجل"، يطلقون سراحه حتى وإن اعتقدوا أنه يمثل خطورة بحق، وأعتقد أن لهم يدا في الوضع الطائفي".
وكان أعضاء الصحوة الذين لقوا حتفهم في قاعدة عسكرية عراقية في محافظة بابل، يقبضون رواتبهم الهزيلة التي تأخرت لمدة ثلاثة أشهر، وجميع من في الغرفة كانوا يرتدون الزي الموحد لرجال الصحوة، مما يشير إلى أن الانتحاري تخفى كواحد منهم. وتفيد مصادر الشرطة بأن ما لا يقل عن 12 عنصرا من أفراد الصحوة قتلوا في محافظة بابل هذا العام.
وكان سعود العودة، وهو أب لثمانية أطفال، ويبلغ من العمر 30 عاما قد أصيب بحروق بالغة، خلال الهجوم الانتحاري الذي وقع بعد أن تسلم راتبه. وقال سعود: "كنت أتطلع إلى العودة إلى منزلي، وأن أسدد ديوني للبقال، وأن أشتري طائرة لعبة لابني الصغير، لكن أموالي احترقت مع جسدي". |
</IMG>