ما عادت تطيق العيش معه .. !
سنة كاملة مرت عليها كأنها - لفرط نكدها - عمرمن الشقاء و التعاسة .. لقد يئست من كل شيء .. و لم تعد تريد
منه شيئا أكثر من أن يؤدي الصلاة في المسجد القريب .. أو في المنزل
حتى .. !
آآآآآآه المنزل .. ؟! .. بل هو القبر في ظلمته و وحشته .. هو جحيم خطبه البعد عن الله .. و ترك الصلاة .. و قسوة القلب
..
كانت تتمناه عش حب و هداية .. تغرد فيه أطيار السعادة و الهناء و النور .. لكن أحلامها تبخرت
بأشعة الواقع .. !
هي تحبه .. لكن حبها
لله أقوى و أبقى و أولى .. فلم يعد في قلبها له مكان ؛ إلا
كما تبقى الأطلال بعد العمار .. !
نسمع بأمور كثيرة و نحسب أننا نعلمها حقا .. لكننا حين نذوقها على حقيققتها ندرك أن الواقع
يختلف كثيرا عما نظنه و نتخيله .. كذلك كانت هي و اليأس ..
لما جربته فعرفت مرارته .. !
ما بقي لها إلا الدعاء و اللجوء الى كنف الرحمن الرحيم ..
عله ان يلطف بها فيجعل
الحياة زيادة لها في الخير ..
أو يعجل بلموت الذي يريحها من الشر .. كل الشر .. !
…
قامت إلى صومعتها ( كما يحلو لزوجها أن يسميها ) .. و
انطرحت بين يدي مولاها و خالقها الرحمن
الرحيم داعية متضرعة .. أن يحبب الله اليه الايمان و يزينه
في قلبه .. و يكره اليه الكفر و الفسوق و العصيان .. و يجعله من الراشدين
..
“أين أنت أيتها الراهبة .. ؟! .. ”
إنه هو .. !! عجلت سعاد بأداء صلاتها
.. ثم مضت اليه .. و هي تجر قدميها كأنهما متثاقلتان
بالاغلال ..!
” ألا تملين من كثرة
الصلاة .. إن ربي غني عنك و عن صلاتك .. هيا .. أريد بعض الماء فقد جف حلقي من ( الشيشة ) .. هيا .. !
ذهبت لتحضر كوب الماء .. و أذان الفجر ينساب في الأفق ليعطر الكون بروعته و جلاله
..
ياااااااا الله ..!
كم هو جميل ذاك الأذان .. حين ينزل على القلب القانط كما تنزل قطرات المطر على الأرض اليباب فتهتز و
تـُزهر ..
و لكن .. !
لقد فقدت صوت مؤذن المسجد القريب .. !!
” الحمد لله ” قالتها سعاد و
ابتسامة متفائلة تتراقص على شفتيها .. !
…
” هل نضج الخروف .. ؟!
.. إنه كوب ماء فقط ” هكذا صرخ فيصل بزوجته .. فعادت إليه و هي تحمل الكأس بيدها
..
و عقلها مشغول بالفكرة التي خطرت لها
..
مدت إليه بكوب الماء و الإبتسامة لم تفارق شفتيها .. فرمقها فيصل بنظرة متهكمة و قال
:
- ما هذا التبسم
؟! .. مشوار جديد .. أم نصيحة معتادة ..؟!
- ليس هذا و لا ذاك .. إنما طلب يسير .. لو فعلته فلن أطلب منك شيئا آخر مدة أسبوع
..!!
- ( ؟؟؟!!!!! )
- صدقني .. !
- لا لا لا لا .. لا أكاد أصدق .. سعاد الملحاحة لا تطلب
مني شيئا مدة أسبوع .. ؟! هاتي إذن
..قالت و هي تزدرد ريقها
بتردد
:
- ال .. ال .. المؤذن في
مسجدنا لم يؤذن لصلاة الفجر .. ما رأ .. ما رأيك أن تؤذن بدلا عنه
.. !
- ( ؟؟!!!! )
- أرجوك يا فيصل .. أرجوك .. أحب أن أسمع صوتك و هو يملأ الكون بنداء الرحمن .. أرجوك يا حبيبي .. إنها
أمنية طالما حلمت بها .. أرجوك .. !
- ممممممممممم .. و لا تطلبين شيئا آخر مدة أسبوع .. ؟!
- نعم .. نعم .. بل أسبوعان إن شئت ..
- طيب طيب .. و لكني سأخرج بعدالأذان مباشرة .. لأن
جماعة المسجد لن يستوعبوا منظر فيصل
و هو يقيم لصلاة الفجر .. و هو الذي لم يدخل المنزل منذ
جاورهم .. !
فقالت .. و اليأس ينسج خيوطه حولها من جديد
:
- افعل ما بدا لك .. و لكن أسرع قبل أن يسبقك أحد .. !…و ارتفع صوت الحق من
شفتي فيصل :
( الله أكبر .. الله أكبر .. الله
أكبر .. الله أكبر ) .. ( أشهد ألا إله الا الله .. أشهد ألا إله الا الله ) .. ( أشهد أن محمد رسول الله .. أشهد أن
محم ………………… ) و بدأ صوت فيصل يتقطع
.. !
لم يقو فيصل على إكمال الأذان إلا بصعوبة .. فالمشاعر
التي انتابته كانت أقوى من احتماله
..
” يا إلهي .. أين كانت هذه السكينة و الطمأنينه ؟!
.. أي ضنك كان يحيط بي ؟! .. أي شقوة كنت أتردى فيها .. ؟!
.. أي حرمان .. ؟! رحماك يا ربي .. رحماك
.. ! ”
و ظلت تلك الخواطر تجلجل في عقله فلا يظهرها إلا الدموع
.. !…
في مسجد ( …….. ) في شمال الرياض .. يصدح رجل
بالأذان خمس مرات في
اليوم و الليلة .. رجل يحفظ القرآن كاملا عن ظهر قلب .. و شرع في حفظ الصحيحين .. و يلازم الدروس في جامع ( ,,, ) .. و يُـكنى بأبي معاذ ..
إنه أخونا