عدالة الله في الارض

أحبائي الكرام .......... إخوتي القارئين .... بعد الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين

نبدأ حديثنا الكريم بسردٍ جميل ..... يشرح عدالة الله سبحانه في عباده أجمعين .... صالحين ومفسدين

فهناك ورقة من الأوراق الخاسرة التي يقامر بها المشككون في سبيل إبعاد الناشئة عن الإسلام قولهم:

" الله عادل و رحيم فلماذا ترك في المجتمع أشخاصا كثيرين يعانون دون ذنب و لا جريرة من عاهات و مصائب يتقطع لها قلب الإنسان في الوقت الذي ترك فيه أشخاصا آخرين يتقلبون في ألوان النعيم دون أي مزية لهم تستدعي ذلك ؟ و أين مكان العدل بين حال هذين الفريقين ؟"
و نحن نبدأ فنقول : ما معنى المحنة ؟ و من أين لك بأن المحنة لا تتمثل إلا في هذا الذي بترت يده أو عميت عينه أو استحكمت به عاهة ؟ بل من قال لك إن المحنة هي تلك التي يصطبغ بها ظاهر الإنسان و تتجسد واضحة في ناحيةٍ من أنحاء جسمه , إنما المحنة ما تسلل الى طوايا النفس فيصيبها بمرارة أو حرقة
و أصل الخطأ في هذا الأمر أنك قد تجد رجلاً أصم أو أبكم في الطريق فيهتز فؤادك إشفاقا على حاله و تجزم بأن نفسه تتقطع بين جنبيه ألما و أن قلبه يذوب بالحسرات و تبصر آخر إلى جانبه ينهب الأرض بسيارته الفخمة و قد لاحت هالة السعادة و الغنى بين جنبيه فرحاً و أن له قلبا لا يستفيق من سكر السعادة و الانشراح
إنك لتجزم بهذا و ذاك و أنت لم تطالع قلب أحد منهما و لو طالعته لعلمت أن المقياس الذي اعتمدت عليه غير مطرد الدلالة على ما ظننت....و أن أسباب السعادة لا تنحصر في تلك المظاهر التي تتلبس الجسم و من أكبر الخطأ أن تربط بين حالة القلب و هذه المظاهر
إن الذي تعلق قلبه من الدنيا بحسناء و راح يتصور أن ألوان النعيم كلها ستفيض في كيانه إن هو سكن إليها و فيما هو ينسج في خياله الآمال ضرب الدهر بينه و بينها بسور غليظ حال بينه و بين جميع آماله....فأصبح هذا الإنسان يلتف به من سعار المحنة ما يشبه أكفانا من اللهب لا تطفئها عن أفراح الدنيا كلها و لا فنون اللذة بأسرها و قد تبصره فلا تقع عينك منه إلا على ما تغبطه فيه أو تحسده عليه
و بالمقابل فإن كثيرا ممن سلبهم الله تعالى نعمة البصر يتمتعون بنفسٍ راضية سعيدة لا تعرف الهم و كثير ممن ترى عليهم أشد مظاهر البؤس و الفقر تظل أفئدتهم نابضة بمرح رائع عجيب قد لا تتصوره إلا في ذكريات طفولتك
و إذاً فإن أول ما ينبغي أن تعلمه من الجواب على هذا السؤال أنه يقوم على خطأ بالغ في صياغته و إذا ما أريد عرضه بصياغة سليمة ينبغي أن يوجه على الشكل الآتي :
" لماذا يتفاوت الناس في مشاعرهم القلبية ما بين ضيق و انشراح و قد كان ظاهر العدل الإلهي يقضي بأن يتساووا في مشاعر السعادة و الانشراح ؟ !

و إذا تأملت علمت أنه لا سبيل أمام الإنسان لإحراز مشاعر الرضى و الانشراح في قلبه إلا بإحدى وسيلتين :

الوسيلة الأولى: أن يملك الإنسان طاقة يبعد بها عن نفسه حديث الفكر و تشويش العقل و منغصات الخيال . إذ إن أكثر ما يصاب به الإنسان من أكدار القلب و هموم النفس إنما يأتي بسبب طول التفكر أو ملاحقة التخيل أو تساؤلات العقل ... يذكر الماضي فيألم لما قد فاته من مظاهر الخير و أسبابه و يتخيل المستقبل فيألم لما قد يتصور فيه من المنغصات و أسباب الآلام فتتحول بذلك لحظات الحاضر التي تمر بحياته إلى مورد لهموم الماضي و مخاوف المستقبل و إن الذين يملكون طاقة التحرر من هذا كله هم المجانين فقط ... و لذلك كانوا صفوة الناس في عدم شعورهم بشيء من الأكدار و الهموم

الوسيلة الثانية : أن يوقن الإنسان أتم اليقين بوجود الله عز و جل ثم أن يقف طويلا عند قوله تعالى
" و جعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون و كان ربك بصيرا "
و عند قوله عز و جل
" و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين "
فيدرك منها وظيفة الإنسان أمام خالقه ألا و هي ممارسة حقيقة العبودية لله عز و جل بأن يرضى في طواعية و خضوع بكل ما قد قضى و حكم عليه به ثم يدرك بأن الله أحكم الحاكمين و أعدل العادلين و أنه يقضي بين عباده في ذلك كله يوم الجزاء الموعود
و إلى هذه الوسيلة الإشارة في حديثه عليه الصلاة و السلام
" عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له "
و بهذه الوسيلة فقط يمكن للإنسان إذا شاء أن يحرز عن طريقها لنفسه مشاعر السعادة و الرضى مهما تقلبت عليه الأحول و الظروف

و لكن على أي أساس تتفرق هذه الفتن بين شتى فئات الناس و أفرادهم حتى يكون نصيب فلان منها المال و الجاه و نصيب الآخر الفقر و الخمول و نصيب الثالث المرض العضال ؟
إن ما قد يصيب كلا منهم من أنواع هذه المحن مما قد لا يصيب الآخر تقوم على حكمة باهرة تتصل بالمعنى التربوي الذي يأخذ به الله تعالى عباده فإن بلاء الفقر قد يكون العلاج المفيد بالنسبة لحال بعض الناس مع الله تعالى و يكون الداء الوبيل بالنسبة لبعض آخرين و قد يكون استمرار الصحة عنصر بغي و شر بالنسبة لجماعات من الناس على حين يكون هذا الاستمرار نفسه وسيلة خير و استقامة بالنظر إلى الآخرين
و عندما نقول الخير و الفائدة و السعادة. لا نقصد بشيء من ذلك مع ما يتفق مع أهواء الناس و تصوراتهم لمعنى الخير و الفائدة و السعادة و إنما نقصد به الخير الذي علم الله تعالى أنه خير بقطع النظر عن موافقته لأهواء الناس أو عدم موافقته إياها و الله تعالى يقول :
" و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون "
و يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا و هو يحبه كما يحمي أحدكم مريضه "
ولعلك تستعرض أمر الناس فترى من أحوالهم ما قد يجعلك تحسب أن لهذه السنة الإلهية شذوذا فتشك في صدق ما قلناه كأن تجد عصاة مستغرقين في عصيانهم ثم لا يدركهم مع ذلك صحو من هذه الفتن و الآلام أو تجد إنسانا في غاية التقوى و الاستقامة و المصائب تظل لاحقةً به أو تجد كفرة جاحدين قد مرقوا من دائرة الإيمان كلها و هم في بحبوحة من الدنيا و رغد من العيش
فاعلم أن هذه السنة الإلهية ليس فيها أي تخلف أو شذوذ و لكنك لا تستطيع أن تلمس تطبيقها على صعيد جزئيات الواقع و الأفراد فأنت لا تعلم من حال الناس و حقيقة سلوكهم إلا ما يبدو لك من ظاهر أمرهم أما خفيات شؤونهم فمجهولة و غائبة عنك لا يعلمها إلا الله فمن أين تعلم أن هذا الذي تراه عاصيا مستحقا لبلاء ينبهه من العصيان ليس بينه و بين الله تعالى حال من الصلاح يكفر به عنه سوء تلك الأوزار ؟ و من أين تعلم أن غيره ممن تحسبه أقوم حالا منه كذلك في واقع الأمر عند الله ؟
و إن لخاطراً يخطر بسوء أدبٍ في حق الله تعالى و عظيم صفاته يكون عند الله عز و جل أعظم و أطم من شرب الخمر و اقتراف سائر الموبقات و ذلك الخاطر مما لا تراه و لا تحس به و أن المعصية إذا استفحل أمرها و ازداد العاصي استهانة بها و عكوفا عليها اشتد غضب الله عليه بسببها ( و الله أعلم بالمعاصي و الأحوال التي تكون سببا في ذلك ) وقد ادخر الله لها عقوبة آجلة يوم القيامة لا يكفرها جميع مصائب الدنيا وعندئذ يزداد نعيم الدنيا إقبالا عليه و التفافا به و يزداد عكوفا عليها و استغراقا في بحارها فلا يصحو منها ساعة إلى نفسه و مصيره
و ذلك هو الاستدراج الذي نص عليه البيان الإلهي في قوله عز و جل :
" سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملي لهم إن كيدي متين "

و لقد حذر الله تعالى المؤمنين الصالحين من أن يفتنوا بحال هؤلاء فقال :
" و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون , إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار "
و نبهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هذه السنة الإلهية في قوله
" إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا "

أخي القارئ:
تأكد أنه سوف يتم مرور الناس على معبر هذه الدنيا التي تعيش فيها و لسوف يقوم الناس إلى رب العالمين فما من منكوب صابر مسلم كنت تتألم إشفاقا عليه في الدنيا إلا و تتمنى أن لو كنت مكانه في الآخرة و ما من سعيد مسرف على نفسه في الدنيا إلا و تشفق على ما هو فيه من بؤس و ضنك في الآخرة و لسوف تفسر إذ ذاك الأحداث الغامضة التي تمر بك اليوم و لسوف تسمع صوت الحقيقة ينبض به الزمان و المكان كله :
" اليوم تجزى كل نفس بما عضوبت لا ظلم اليوم , إن الله سريع الحساب "
صدق الله العظيم

زائر

:تشكرات: :hj: :جزاك كل خير: :تسلم:

تقبلي مروري

:جزاك الله:
:تشكرات:

» قيمة دمعة النبي صلّى الله عليه وآله عند الله تعالى*
» عاصفة ... سبحان الله ... عذاب من الله على القوم الكافرين
» أبواب جهنم في الارض