لماذا حرّم الإسلام الخمر ؟

لماذا حرّم الإسلام الخمر ؟
قال الله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجـتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أنْ يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعنِ الصلاة فهل أنتم منتهون ﴾[ المائدة : 90 – 91 ] .

الخمر هي كل مادة يؤدّي تعاطيها إلى مخامرة العقل أي ستره واضطرابه ، والمادة التي في الخمر والتي تؤدّي إلى اضطراب العقل إنما هي الكحول والتي يسميها القرآن الغول ، حيث وصف خمر الجنة فقال : ﴿ لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ﴾

[ الصافات : 47 ] .

إن مادة الكحول لها الكثير من التأثيرات الضارة سواء بعقل الإنسان أم بجسمه ، و تعاطي هذه المادة يؤدّي مع الأيام إلى كثير من الأمراض سواء كانت أمراضاً جسدية أم كانت أمراضاً عقلية ونفسية ، إضافة إلى ما يسببه تعاطي هذه المادة من أضرار وسلبيات اجتماعية كالعداوة والبغضاء والابتعاد عن الصلاة وعن ذكر الله وعن السير وفق المنهج الإلهي والتعاليم الربانية ، فما هي تأثيرات الكحول وأضراره وأمراضه ؟

تقع جملة تأثيرات الغول الإيتيلي الأساسية على الجملة العصبية المركزية ولا سيما الدماغ و له أيضا تأثيرات تتناول أجهزة الجسم وأعضاءه المختلفة :

① يُحدث تناول الغول الإيتيلي في البدء تظاهرات تدلّ على تنبه المراكز الدماغية تنبهاً خفيفاً فينطلق لسان الشخص ويزداد نشاطه الفكري وتزداد حركته ، وتكون هذه التظاهرات متزنة في البدء وتدلّ على زيادة حيوية الشخص نفسياً وحركيا ، ثم لا تلبث أن تفقد توازنها وانسجامها فتختل قوى الشخص العاقلة وحركاته إذ يتلعثم لسانه وتتفكّك آراؤه ويسوء تصرفه وسلوكه ويتطوّح بمشيته . إنّ هذه التظاهرات المتضاربة تدلّ على تنبه وتثبّط دماغي في آن واحد ، والتأثير المنبه الضعيف هو الممهد للتثبط الحاصل بعده حيث يصبح هذا التثبّط هو المسيطر في أدوار السكر المختلفة( الحقيقي والسمي والمميت ) ثمّ ينقلب إلى تثبط شديد أو خمود .

إنّ الغول بالكميات القليلة يمحو مراكز مراقبة السلوك في القشر الدماغي ، أما الغول بالمقادير الكبيرة فهو يسبب النوم وقد يسبب السبات أحياناً ، و لكن لا يمكن الاستفادة من الغول كمخدر عام لأنّ كثافته الدموية التي تسبب التخدير العام قريبة جداً من الكثافة التي تسبب الانسمام والموت .

② إن الغول بالكميات القليلة يؤدّي إلى بطء القلب وبطء الحركات التنفسية وليس التأثير مباشراً على القلب و إنما يكون بسبب التخريش الحاصل للغشاء المخاطي للفم والمعدة ، أما بالمقادير الكبيرة فإن الغول يُسرِّع القلب والحركات التنفسية .

③ يؤثر الغول على جهاز الهضم ، فهو بالمقادير القليلة يسبب زيادة في إفراز اللعاب والمعدة والبنكرياس ، أما بالمقادير الكبيرة فيعدل هذا الإفراز ويؤدي إلى ترسيب العصارة الهضمية و تخثير الهضمين والمواد الآحينية ، ويؤدي تكرار تناول هذه المقادير إلى التهاب ضموري مزمن وخيم في المعدة يتجلى بنقص الشهية و الإقياءات المخاطية، يمتد بعد ذلك إلى الأمعاء وجهازها الغدي فيسبب إمساك وهني أو إسهال سمي ، ثمّ يتناول الكبد فينقص وظيفة خليتها ويؤثر في نسيجها الضام الذي قد يتصلب فيحدث ضموراً وتشمّعاً كبدياً وهو ما يدعى تشمّع لاينك الضموري ، وهو مرض كبدي سببه التناول المزمن للكحول ولو بمقادير عادية.

④ إن الإدمان على الغول يسبب انهيار المقاومة العامة للجسم ، وبالتالي استعداد الجسم للإصابة بالأمراض المختلفة و الإنتانات الانتهازية والالتهابات الجرثومية والفطرية والفيروسية .

⑤ إن تناول الغول يؤثر على الجهاز البولي فيسبب ازدياد في عدد البيلات وفي كمية البول ، و يعود ذلك إلى عدّة أسباب: منها كثرة تنـاول الماء مع المشروب الغولي، ومنها تثبيط إفراز الهرمون المضاد للإدرار من قبل الغدة النخامية، ومنها و هو الأهم تخريش النسيج الكلوي أثناء إطراح الغول مع البول أي إنّ فعل الغول المدر للبول ناجم عن إيذاءه للنسيج الكلوي والطرق المفرغة للبول بواسطة فعله المخرّش.

⑥ يؤثر الغول على الأغشية المخاطية وخاصة الغشاء المخاطي للمعدة ، ويختلف هذا التأثير بحسب كثافة الغول في المادة المأخوذة فهو يحدث حس حرارة خفيف أو شديد مع احتقان واضح في الأغشية المخاطية إذا كان الغول ممدداً ، أما إذا كان كثيفاً فإنه يخرش المخاطية ويحدث آلام معدية ويفضي إلى كي المخاطية المعدية مسببا التهاب المعدة الضموري .

⑦ يؤثر الغول في حرارة الجسم ، فيسبب تناوله ارتفاع الحرارة في كافة أنحاء الجسم بسبب توسيعه للأوعية المحيطية في الجلد ، غير أن زيادة الإشعاع الحروري لا يلبث أن يُفضي إلى هبوط الحرارة العامة هبوطاً شديداً ، وقد يكون مميتاً وخاصة في البيئات الباردة حيث تتضافر برودة الجسم مع برودة المحيط مسببة هذه الحالة ، ولذلك يُخطيء كل من يعتقد بأنّ تناول الكحول في المناطق الباردة يمنع البرد أو أذاه عمن يتعرّض إليه ، و لعل الأجدى و الأنفع لمن تضطرهم أعمالهم للتعرّض للبرد أو الاشتغال في جو بارد أن يستعيضوا عن الغول بمشروبات سكرية تنشّط احتراقات البدن وتزيدها .

⑧ يظن البعض أن للغول فعلاً غذائياً و أنه واحد من الأغذية التي يتناولها الإنسان ، و قد أثبتت التجارب أن الغول لا يبدي أي قدرة حراكية نوعية ، وتقاس هذه القدرة عادة بمقارنة عدد الحرورات الناتجة عن احتراق المادة مع عدد الحرورات الناتجة عن نفس الكمية من الغلوكوز ، فالقدرة الحراكية في التقلص العضلي التي تنتج عن احتراق الغول لا يمكن أبداً أن تتحول إلى قدرة مشابهة لما ينجم عن تناول العناصر المكونة للغذاء الحقيقي ( سكريات – بروتينات – شحوم ) ، كما إن الغول لا يُعتبر منبعاً للقدرة في العمل العضلي .

و استناداً إلى ما ذكر لا يجوز مطلقاً اعتبار الغول غذاء بالمعنى الشائع المفهوم ، و من هنا لا يصحّ أن نلحق معمل البيرة بالمؤسسة العامة للصناعات الغذائية فهذه التسمية خاطئة و الأَولى أن يلحق بمؤسسة قد يكون من المناسب تسميتها بالمؤسسة العامة للسموم ، كما إن الشعور بارتفاع حرارة الجسم ما هو إلا شعور خاطيء نجم عن توسع الأوعية المحيطية بفعل الغول ولم ينجم عن حريرات يطلقها الغول .

⑨ إن احتساء المشروبات الغولية قد يؤدّي إلى حدوث هجمة نقرس ( داء النقرس داء يصيب المفاصل نتيجة ترسّب بلورات حمض البول في هذه المفاصل ) والسبب أن الغول يرفع مقدار حمض البول في الدم .

⑩ إن تأثير الغول في الطهارة والتعقيم ثابت و لكنه الغول الممدد بالماء بنسبة 60 – 70 %، أما الغول المطلق أو اللا مائي فلا يؤدّي إلى الطهارة والتعقيم لأنه يخثر بروتين سطح الجرثوم مكوناً طبقة واقية للجرثوم ، أي حاجزاً يمنع نفوذ الغول لداخل الخلية الجرثومية .

إن جرعة من محلول غولي ممدّد جداً قد لا تحث تأثيرات سيئة تذكر ، و لكن تكرار احتساء هذه الجرعة سوف يوقع الشارب في عدد من الأمراض ،( أولها) تناذر السحب والهذيان الارتعاشي في حال انقطاع الشارب عن هذا العمل ،( والثاني) هو الانسمام الغولي الحاد ، (والثالث) هو الانسمام الغولي المزمن ، كما إنّ هناك أمراض كثيرة لا مجال لذكرها .

⑫ تناذر السحب : الغول مادة مشوقة على الاحتساء لما يرافق تناولها من شعور مؤقت بالسعادة والارتياح وهذا ينتهي حتماً بالإدمان . و إذا توقف المدمن فجأة عن تناول المشروبات الغولية تظهر لديه أعراض السحب ، وهي تتراوح بين تظاهرات بسيطة تتجلى بالقلق والحصر و الرجفان ، وتظاهرات شديدة تعرف بالهذيان الارتعاشي أو تناذر القطع المفاجئ و تتجلى بالأهلاس والاختلاجات و الإقياء والترفع الحروري وتسرع القلب ، فالأهلاسات البصرية غالباً ما تكون عبارة عن أحاسيس من التأرجح والطيران في دهاليز طويلة وقد يسيء المريض فهم أحاسيسه الجلدية فيظن أن هناك حشرات تزحف فوقه و قد يُصاب المريض بنوبات صرعية وقد يغط المريض بنوم عميق ويموت من جراء إصابته بذات الرئة نتيجة السبات العميق الذي ألمّ به.

⑬ الانسمام الغولي الحاد : إن احتساء مشروب غولي بمقادير كبيرة يسبّب تشوشاً عصبياً شديداً وطويل الأمد يؤدي إلى اضطراب في حركة الشخص ونشاطه الفكري فيترنح الشارب وتنتابه حالة ضحك وسرور ينقلب بعدها إلى حالة غضب شديد أو العكس ، وقد تدفعه نفسيته المشوشة إلى ارتكاب الكثير من الجرائم ، ويبدو الشخص في هذا الدور من السكر الحقيقي متهيجاً ، إلا أنه لا يلبث بعد فترة من الزمن أن يمر بالهمود والتعب وحالة من السبات وقد ينتهي الانسمام بالموت اختناقاً بوذمة المزمار أو بوذمة رئوية حادة أو بشلل بصلي مميت .

⑭ الانسمام الغولي المزمن : إذا تتالى دخول الغول إلى الجسم ولو بمقدار قليل فإنه لا يدع عضواً من أعضاء الجسم إلا أخلَّ بخلاياه ونسجه وأوعيته ، هذا الإخلال تظهر عوارضه آجلة إن لم تظهر عاجلة .

فالغول مادة سامة وإنّ تتالي دخول الغول إلى الأعضاء يؤدّي إلى حدوث الأذى والتصلب والاضطراب الوظيفي ولعل أكثر هذه التبدلات هو الحالات العصابية النفسية .

فيصاب المدمنون على الكحول بالشكوك والزور في مزاجهم ، كما يحدث لديهم ما يُسمى بأوهام الغيرة ، فتناول الغول يؤدّ ي إلى الضعف الجنسي عند الشخص و إلى نفور زوجته منه بسبب رائحته و إلى سوء في ضميره ، واجتماع هذه العوامل يؤدّي إلى أن يتهم الرجل زوجته بالزنا مع جيرانه محاولاً بشكل مستمر انتزاع الاعتراف منها ، إن العامل الأساسي الذي يقف خلف هذه الأوهام هو الضعف الجنسي الذي يُصيب المدمن على تناول الغول ونفور زوجته منه .

⑮ إنّ الإدمان على الغول هو أحد العوامل المسببة لتناذر كورساكوف ، وهو مرض يتجلى باضطراب شديد في الذاكرة ، و يحاول المريض تغطية هذه الفجوات في الذاكرة باختلاق القصص و الأكاذيب ، كما يتصف بعدم قدرة المريض التعرف على الزمان والمكان وضعف في المحاكمة و اضطرابات في الحس والتهابات في الأعصاب .

⑯ قد يحدث ارتكاس حاد تجاه تناول الغول لدى بعض الناس حتى لو كان المقدار قليلاً ، إذ يحدث لديهم قوة مفاجئة مشابهة للصرع تنتهي بنوم عميق مع فقدان ذاكرة كامل .

⑰ و أخيراً قد يكون العته المزمن ( يشبه الخرف ) هو النتيجة الأخيرة لتناول الغول المزمن ، و يكون شارب الغول قد حصل على مسك الختام