نال الطبخ المغربي شهرة عالمية، واقتحم مطابخ أوروبا، وتربعت أصنافه على عرش المأكولات الأكثر رواجا في العالم كالكسكس والحريرة والطاجين، حتى إن بعض السياح يقصدون المغرب خصيصا لتذوق الأكل المغربي، ويكفي أن نعلم أن استقبال الضيف بالمغرب لا يكون إلا بكؤوس شاي دافئ "المنعنع".
ويشتهر الطبخ المغربي باحتوائه على كمية كبيرة من التوابل، وخصوصا البهارات وهذا ما يميزه عن باقي أنواع الطبخ في العالم، فالمغاربة يعتبرون الطعام الذي لا يضم التوابل "باردا" ولا يستسيغونه، وعلى مستوى التاريخ الحديث نستطيع أن نقسم الطبخ المغربي إلى فترتين هما فترة ما قبل الاستعمار فترة ما بعد الاستعمار.
ويقول محمد التاقي (باحث اجتماعي) إن "هذا التقسيم يبقى نسبيا بشكل أو بآخر، إلا أنه يضعنا فعلا أمام نوعين من الطبخ المغربي المطبخ التقليدي، والمطبخ الحديث". ويعتمد المطبخ التقليدي على أفران مصنوعة من التراب والطين وأوانٍ خزفية وترابية أيضا، وهو قد لا يخضع إلا لمقاييس تقديرية وغير محددة، سواء من ناحية التوقيت أو المقادير، لكنه يبقى الأكثر تميزا وإقبالا من طرف الزوار والسياح على حد سواء.
أما المطبخ الحديث فيعتمد على أدوات عصرية وأواني الألمنيوم ويخضع لمقاييس محددة ومضبوطة، محافظا رغم هذا على الشكل العام للمطبخ التقليدي بصفة عامة، وهو الأكثر استعمالا في البيوت الحضرية المغربية من طرف المغاربة أنفسهم.
ويشير محمد التاقي إلى أن "الطقوس التي ترافق عملية إعداد وتقديم الأكلات المغربية تخضع لقوة الأعراف والتقاليد، وما تركه الأجداد في هذا المجال، مما يزيد من شهرة المطبخ المغربي عالميا".
ويؤكد أن تاريخ المغرب يعرف من خلال مطبخه المتميز، "فالعرب أحضروا معهم طرق الطهي، كما أن التأثير الأندلسي ظاهر في جميع الوصفات، خاصة "البسطيلة" وأنواع الإسفنج والقطايف والبريوات مستوحاة من الطبخ الصيني الآسيوي"، ويضيف الباحث أن كل منطقة بالمغرب لها وجبتها المميزة التي تشتهر بها، "فهناك مثلا "الطاجين المراكشي" و"المقروطة الفاسية" و" كالينطي الطنجي".
وتشتهر مدينة مراكش بأكلة الطنجية المطبوخة في الفرن التقليدي، وكذلك بالطاجين المقفول والمزكلدي، وفي الدار البيضاء نلاحظ حضور أنواع مختلفة من الطبخ الأجنبي، حيث تسربت إليها عناصر الطبخ المتميزة، مثل العجائن الإيطالية والشعرية الصينية، وكذلك مختلف أنواع الفطر والأجبان، هذه العناصر الدخيلة، طبعت الطبخ في هذه المدينة بطابع خلاق متميز، أحدث ثورة في الطبخ التقليدي.
كما ظهرت أطباق متميزة مثل أضلع الكبش المحمرة والمعمرة بالشعرية الصينية والكفتة والفطر، وكذلك البسطيلة بفواكه البحر، بالإضافة إلى الأسماك واللحوم والدجاج المشوي المعطر بنكهة التوابل، لذلك نجد مزيجا من الطابع التقليدي والطابع العصري الذي فتح المجال أمام إبداع الطباخ المغربي.
وتعد وجبة "الكسكس" أشهر الوجبات المغربية وهي القاسم المشترك بين جميع المناطق، فهي الأشهر والأكثر إقبالا لدى المغاربة، فمن التقاليد المعروفة بالمغرب أن يوم الجمعة هو يوم وجبة الكسكس، وقلما تتخلف أسرة مغربية عن هذا الموعد. وتنقسم وجبة الكسكس نفسها إلى عدة أنواع فهناك كسكس "السبع خضار" و الكسكس برأس الخروف والكسكس بالبصل والزبيب (التفاية)، أما في المناطق الصحراوية فيتم مزج الكسكس بحليب الماعز أو الغنم قبل بدء عملية الطهي.
أما "الحريرة" فهي وجبة رمضان بلا منازع، ذلك أن كل الأسر المغربية تفطر بشربة الحريرة، وهي عبارة عن مزيج لعدد كبير من الخضار والتوابل يقدم في أوان خزفية مقعرة تسمى محليا بـ"الزلايف"، وقد يستغرق إعدادها أكثر من ثلاث ساعات أحيانا، لذا لا تستغرب إن لاحظت في شهر رمضان قبل الغروب، أن نفس الرائحة الزكية تنبعث من جميع البيوت بلا استثناء.
ويعتبر الشاي المغربي المنعنع رمز الترحاب وحسن الضيافة، ذلك أنه أول ما يقدم للضيوف، ويشرب ساخنا دلالة على حرارة الاستقبال ودفء المودة، وتتنوع طرق إعداده هو الآخر من منطقة إلى أخرى. إلا أن الشاي الصحراوي يبقى الأشهر ذلك أنه لا يقدم بكثافة بل في كأس زجاجي صغير مملوء إلى المنتصف فقط، وهذا ليس من نقص في حسن الضيافة، بل لأن هذه الكمية القليلة هي عصارة ما قد تشربه من الشاي ليوم كامل، حيث يتم غليه ثلاث مرات حتى يقترب لونه من السواد، فيصبح ثقيلا جدا.
أما الحلويات المغربية فأشهرها تسمى "الغريبة"، وهي مزيج من الزيت والسكر والزبدة والدقيق، إضافة إلى حلويات أخرى كـ"كعب غزال" وحلوى التمر و"الملوزة" وتقدم كل هذه الحلويات في كل الأفراح والمناسبات وفي الأعياد، وهناك حلوة "الشباكية" وهي الحلوى التي ترافق الحريرة خلال شهر رمضان على مائدة الإفطار في تقليد جماعي كالعادة.
والأعراس المغربية لم تكن لتنجو من قانون الطبخ الافتراضي، فهي تخضع بدورها لنظام محدد يتمثل في تقديم كؤوس الشاي في البداية مرفقة بالحلويات، وبعد مرور ساعتين تقريبا يتم تقديم العشاء المقسم إلى وجبتين: الوجبة الأولى هي اللحم بـ"البرقوق المعسل"، والوجبة الثانية هي الدجاج بالزيتون والبيض، وقد يتم تقديم الفواكه المتنوعة في الأخير حسب السعة المادية لأصحاب العرس، ويقدم العريس قبل دخول بيت الزوجية التمر والحليب لعروسه التي تفعل الشيء نفسه معه دلالة على رعاية كل منهما للآخر، واستعداده للاهتمام به.